جواو فيليكس- من جذور برازيلية إلى النصر السعودي، قصة صعود نجم

البرتغال، تلك الدولة الأوروبية الساحرة التي لا تتجاوز مساحتها 92 ألف كيلومتر مربع، لم تكتفِ باستلهام فنون كرة القدم من البرازيليين فحسب، بل تعدت ذلك إلى نقل ثقافتهم العريقة ولغتهم الرائجة. والنتيجة، أصبحت البرتغال الدولة اللاتينية الفريدة التي تتحدث اللغة البرتغالية الساحرة، بدلًا من الإسبانية الشائعة، في قارة أمريكا الجنوبية الخضراء.
وعلاوة على ذلك، شهدت البرتغال ولادة العديد من اللاعبين البرازيليين الموهوبين، في حين احتضنت البرازيل نشأة وترعرع نخبة من النجوم البرتغاليين المتألقين. وعلى رأس هؤلاء النجوم يتربع أندرسون ديكو، النجم الأسطوري لبورتو وبرشلونة سابقًا. وفي الوقت الحالي، يأتي البرتغالي الآخر، جواو فيليكس، ليؤكد بجلاء على عمق العلاقة الوطيدة بين الدولتين، وخاصة فيما يتعلق بعالم كرة القدم الساحر.
في قلب مدينة بازو الهادئة، التي تقع في وسط البرتغال تقريبًا، وُلد جواو فيليكس في أحضان أسرة ذات جذور برازيلية عريقة. والده، كارلوس فيليكس، وُلد وترعرع في البرازيل، حيث قضى طفولته وشبابه المفعمين بالحيوية، قبل أن يهاجر إلى البرتغال، وهناك التقى بكارلا، التي أسرت قلبه وتزوجها، وشكّلا معًا أسرة صغيرة ودافئة، تتكون من الثنائي جواو وأخيه هوجو.
نشأ جواو فيليكس في كنف أسرة تقدّر العلم والمعرفة، نظرًا لأن والديه، كارلوس وكارلا، كلاهما يعملان في مجال التدريس النبيل. ومع ذلك، تعلق الفتى الصغير بكرة القدم، متأثرًا بأصول والده البرازيلية، وشغفه المتأصل باللعبة، بالإضافة إلى انتشار هذه الرياضة الساحرة في شوارع ومدن البرتغال. هذا الشغف دفعه إلى الالتحاق بأكاديميات كرة القدم المرموقة، جنبًا إلى جنب مع أخيه الصغير هوجو.
لم يمضِ وقت طويل حتى انضم جواو إلى نادي أوس بيستينهاس عام 2007، قبل أن يلتحق بصفوف الشباب في نادي بورتو الشهير بعد عام واحد فقط، وكان عمره آنذاك ثمانية أعوام. لم تكن الحياة سهلة على الإطلاق بالنسبة للصغير جواو، إذ واجه تحديات جمة تتعلق ببعد المسافة الشاسعة يوميًا بين بازو، مدينته الأم، وبورتو. هذا الأمر دفعه لاتخاذ قرار صعب وشجاع بالانتقال إلى بورتو، من أجل العيش وحيدًا عندما بلغ 12 عامًا، بعيدًا عن والديه الحبيبين وأخيه وأسرته بأكملها.
في فترة من الفترات، كان جواو فيليكس قريبًا جدًا من اعتزال كرة القدم نهائيًا في شبابه، وذلك بسبب ابتعاده عن أسرته الكريمة وحجم الضغوطات الهائلة التي واجهها. إلا أن كارلوس، والده المحب، كان السند والعون له، إذ منعه من ترك الرياضة وشجعه على الاستمرار والمثابرة، وغرس فيه روح التحدي والإصرار.
كانت هذه مجرد البداية لسلسلة الصعوبات التي واجهت جواو فيليكس، إذ تعرض اللاعب لموقف صعب عام 2014، بعد قرار إدارة نادي بورتو بالتخلي عن خدماته، مبررين ذلك بضعف بنيته الجسمانية، وفق ما ذكرته وسائل الإعلام البرتغالية آنذاك. إلا أنه نفى هذه المعلومات جملة وتفصيلًا، مؤكدًا أنه غادر بإرادته ورغبته.
وبعد موسم واحد قضاه معارًا في أكاديمية بادرونيسي البرتغالية عام 2015، انتقم جواو فيليكس سريعًا من بورتو، وذلك بالالتحاق بأكاديمية نادي بنفيكا، أحد المنافسين التاريخيين لبورتو داخل البرتغال، ليبدأ مسيرة حافلة بالتألق والنجاح والإنجازات.
قضى جواو 3 مواسم رائعة داخل صفوف الناشئين في نادي بنفيكا، حتى حصل على فرصة ذهبية للمشاركة مع الفريق الأول للنادي عام 2018، وذلك بدعم وتوجيه مباشر من المدرب القدير روي فيتوريا، المدير الفني حينها لبنفيكا، والمدرب الذي قاد النصر السعودي أيضًا في فترة سابقة.
آمن فيتوريا إيمانًا راسخًا بقدرات جواو فيليكس الفذة، رغم صغر سنه، ليشركه في مباريات الدوري البرتغالي القوية. واستغل الصغير هذه الفرصة الثمينة أحسن استغلال، ليسجل هدفًا ثمينًا في شباك سبورتنج لشبونة خلال مباراة الديربي المثيرة، في أغسطس 2018. بعدها، أصبح جواو فيليكس لاعبًا لا غنى عنه في تشكيلة بنفيكا الأساسية، تحت قيادة روي فيتوريا ثم برونو لاج لاحقًا.
بسبب تألقه اللافت مع بنفيكا، سارعت الصحف البرتغالية إلى مقارنته بالأسطورة روي كوستا، النجم السابق لبنفيكا، وذلك بسبب مهاراته الفائقة وقدرته المذهلة على صناعة وتسجيل الأهداف. هذا التألق دفع إدارة أتلتيكو مدريد الإسباني إلى التعاقد معه بشكل رسمي في صيف 2019، مقابل مبلغ مالي ضخم قدره نحو 127 مليون يورو.
خلال 4 أعوام قضاها مع أتلتيكو مدريد، لم يحقق جواو فيليكس النجاح المأمول، قياسًا بموهبته الاستثنائية وإمكاناته الهائلة. اكتفى بتحقيق لقب الدوري الإسباني عام 2021، كما سجل 34 هدفًا وصنع 18 في 131 مباراة في جميع المسابقات.
شهدت مسيرة جواو فيليكس تحولًا ملحوظًا منذ عام 2023، بسبب الخلافات الكبيرة التي نشبت مع الأرجنتيني دييجو سيميوني، مدرب أتلتيكو مدريد، والذي استبعده من التشكيلة الأساسية في الكثير من الأحيان. هذا الأمر دفع اللاعب البرتغالي إلى المطالبة بالرحيل عن فريق العاصمة الإسبانية، والبحث عن فرصة جديدة في مكان آخر.
انتقل جواو على سبيل الإعارة إلى صفوف تشيلسي الإنجليزي ثم برشلونة الإسباني بين عامي 2023 و2024، حتى تعاقد معه تشيلسي بصفة نهائية في صيف 2024، مقابل نحو 52 مليون يورو. هذا الانتقال جاء هربًا من المشاكل المستمرة مع سيميوني، والتي كلفته الكثير في أتلتيكو مدريد، من استبعاد متواصل عن التشكيلة الأساسية، بل والغياب عن قائمة المباريات في أكثر من مناسبة.
خلال الموسم الماضي 2024-2025، لعب جواو فيليكس خلال النصف الأول مع تشيلسي، قبل أن يخرج معارًا إلى صفوف ميلان الإيطالي في النصف الثاني. سجل 10 أهداف وصنع 3 في 41 مباراة مع الفريقين على مدار الموسم، قبل قراره بالانتقال إلى صفوف فريق النصر السعودي هذا الصيف.
على المستوى التكتيكي، يُعتبر جواو فيليكس لاعبًا أشبه بـ "الجوكر" الهجومي، وذلك نظرًا لقدرته الفائقة على اللعب في أكثر من مركز، سواء الجناح الأيسر أو صانع اللعب في المركز 10 أو حتى المهاجم الصريح. جدير بالذكر أنه سجل 92 هدفًا وصنع 44 في 323 مباراة مع جميع الفرق التي لعب لها في مختلف البطولات.
وبعيدًا عن عالم كرة القدم، ارتبط جواو فيليكس بالممثلة البرتغالية مارجريدا كورسيرو حتى مايو 2023. عاش الثنائي قصة حب هادئة بعيدًا عن أضواء وسائل الإعلام، قبل أن ينفصلا بشكل رسمي عام 2023. بعدها، قرر جواو التركيز فقط في كرة القدم، دون الارتباط بأي فتاة أخرى حتى الآن.